الفتوى رقم 1469 لسنة 2021 بتاريخ فتوى : 2021/09/25 و تاريخ جلسة : 2021/09/08 و رقم الملف : 32/2/5312


موضوع الفتوى:
بشأن طلب إبداء الرأى فى مدى التزام الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بسداد المصاريف والرسوم القضائية وأتعاب المحاماة وأتعاب الخبراء وكذا كافة رسوم الصور والشهادات والملخصات وغير ذلك من كافة الرسوم القضائية والإدارية ورسوم التنفيذ وذلك فى الدعاوى المقامة منها أو ضدها أمام كافة المحاكم بمختلف درجاتها وذلك فى ضوء إعفائها قانونًا من أداء الرسوم القضائية وما إذا كان هذا الإعفاء يقتصر على الهيئة فقط أم يمتد إلى المُؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات المستحقين.

نص الفتوى:
بسم اللــــه الرحمـــن الرحيــــم
رقم التبليغ:
بتاريــخ: / /2021

ملف رقم: 32/2/5312

السيد اللواء/ رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى

تحية طيبة، وبعد،
فقد اطلعنا على كتابكم رقم (379) المؤرخ 13/6/2021، بشأن طلب إبداء الرأى فى مدى التزام الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى بسداد المصاريف والرسوم القضائية وأتعاب المحاماة وأتعاب الخبراء وكذا كافة رسوم الصور والشهادات والملخصات وغير ذلك من كافة الرسوم القضائية والإدارية ورسوم التنفيذ وذلك فى الدعاوى المقامة منها أو ضدها أمام كافة المحاكم بمختلف درجاتها وذلك فى ضوء إعفائها قانونًا من أداء الرسوم القضائية وما إذا كان هذا الإعفاء يقتصر على الهيئة فقط أم يمتد إلى المُؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات المستحقين.
وحاصل الوقائع– حسبما يبين من الأوراق– أنه وفقًا للكتب الدورية الصادرة عن مساعد وزير العدل لشئون التنمية الإدارية والمطالبة القضائية، والتعليمات الموجهة إلى قسم المطالبات بمحاكم مجلس الدولة علي مختلف درجاتها، فإنه يتم إعفاء الهيئة والمُؤمّن عليهم من سداد الرسوم القضائية ابتداء عند رفع الدعاوى فقط،
دون أن يمتد هذا الإعفاء عند صدور أحكام فيها، ويتم مطالبة الهيئة بسداد الرسوم والمصاريف القضائية وأتعاب المحاماة في حالة صدور حكم في الدعوى ضد الهيئة ، كما دأبت المحاكم على الامتناع عن تسليم محامي الهيئة أية صور لأحكام قضائية أو شهادات في الدعاوي الصادر فيها الحكم ضد الهيئة قبل سداد الرسوم والمصاريف القضائية، مما يعرقل الطعن فى هذه الأحكام خلال المواعيد المقررة قانونا، وذلك كله على الرغم من أن المشرع لم يكتف بما نصت عليه المادة (50) من قانون الرسوم القضائية الصادر بالقانون
رقم (90) لسنة 1944 من عدم استحقاق رسوم على الدعاوى التي ترفعها الحكومة ولا على ما يطلب
من الكشوف والصور والملحقات والشهادات والترجمة لمصالح الحكومة، بل أفرد ميزة خاصة للفئات المنتفعة بأحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون رقم (148) لسنة ۲۰۱۹ حماية لهم؛ إذ قرر
في المادة (۱۲6) من قانون المشار إليه- والتي حلت محل المادة (137) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم (79) لسنة ۱۹۷۰- حكمًا أساسيًّا مقتضاه أن تعفي من الرسوم القضائية في جميع درجات التقاضي الدعاوى التي ترفعها الهيئة أو المُؤمن عليهم أو المستحقون طبقًا لأحكام هذا القانون، وذلك رغبة منه فى تخفيف المصاريف عليهم، وهو ما يحقق مردودًا إيجابيًّا يعود بالنفع على تلك الفئات في المزايا التأمينية
التي يمنحها هذا القانون لهم، ويُعظم من الدور الذى تقوم به الهيئة ويعينها على القيام به، بما يستتبعه ذلك
من وجوب تقرير إعفاء الهيئة من سداد كافة المصاريف والرسوم والأتعاب المشار إليها في الدعاوى المقامة منها أو ضدها، دعمًا لها فى أداء دورها المنوط به، وحماية لأصحاب المعاشات والمستحقين عنهم، الأمر الذي أثيرت معه التساؤلات محل طلب الرأى الماثل، لذا طلبتم العرض على الجمعية العمومية.
ونفيد: أن الموضوع عُرض على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلستها المعقودة بتاريخ
8 من سبتمبر عام 2021م الموافق الأول من صفر عام 1443هـ، فتبين لها أن المادة (185) من الدستور تنص على أن: تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، ويكون لكل منها موازنة مُستقلة…، وأن المادة (190) منه تنص على أن: مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة… ويتولى الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون…. وأن المادة (2)
من القانون المدنى تنص على أنه: لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.
كما تبين للجمعية العمومية أن المادة (66) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972 تنص على أن: تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأى مسببًا فى المسائل والموضوعات الآتية: أ- المسائل الدولية والدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية التى تحال إليها بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو من رئيس الهيئة التشريعية أو من رئيس مجلس الوزراء أو من أحد الوزراء أو من رئيس مجلس الدولة…. وأن المادة (1) من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون رقم (148) لسنة 2019 تنص على أنه: في تطبيق أحكام هذا القانون، يُقصد بالكلمات والعبارات التالية المعنى المبين قرين كل منها: …3- الهيئة: الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي…، وأن المادة (8)
تنص على أن: … يكون للهيئة الشخصية الاعتبارية… وتتبع الوزير المختص بالتأمينات الاجتماعية…،
وأن المادة (149) تنص على أن: تختص الهيئة بطلب الرأي من مجلس الدولة فيما يتعلق بتطبيق أحكام
هذا القانون.
واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم- وعلى ما جرى به إفتاؤها- أنه من المُسلّم به وفقًا لنص المادة (2) من القانون المدنى أن إلغاء التشريع قد يكون صريحًا وقد يكون ضمنيًّا، ويتحقق الإلغاء الصريح بوجود نص في التشريع اللاحق يقضي صراحة بإلغاء العمل بالتشريع السابق، أما الإلغاء الضمني للقاعدة القانونية فله صورتان: أولاهما: إعادة تنظيم المشرع للموضوع ذاته بما يناقض النصوص التي كان قد قررها بشأنه، ويفترض ذلك أن يكون التنظيمان القديم والجديد دائرين حول المسائل عينها، وأنهما تعامدا من ثمّ على محل واحد، وثانيتهما: وجود حكم معارض في التشريع اللاحق لحكم في التشريع السابق بحيث لا يمكن التوفيق بينهما إلا بإلغاء أحدهما، وعندئذ يعدُّ اللاحق ناسخًا والسابق منسوخًا، غير أنه يشترط في هذه الصورة من صور الإلغاء الضمني أن يكون الحكمان المتعارضان من طبيعة واحدة، أو أن يكون الحكم السابق عامًّا والحكم اللاحق خاصًّا، فحينئذ يعدُّ الحكم الخاص ناسخًا للحكم العام السابق عليه، أما إذا حدث العكس بأن كان الحكم السابق خاصًّا واللاحق عامًّا، فلا يتحقق النسخ في هذه الحالة عملا بالقاعدة الأصولية التي تقضى بأن النص الخاص يُقيد النص العام ولو كان سابقًا عليه، بيد أن هذه القاعدة لا مجال لإعمالها إذا كان التشريع الجديد الذى أورد الحكم العام قد تناول صراحة الأوضاع التى كان يحكمها الحكم الخاص.
كما استظهرت الجمعية العمومية– وعلى ما جرى به إفتاؤها- أنه فى مجال تفسير النصوص التشريعية، يتعين الأخذ بعين الاعتبار أن النصوص القانونية التى تنتظمها وحدة الموضوع، تعدُّ كلًّا واحدًا، تشكل وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها، وتتحد توجهاتها لتكون نسيجًا متآلفًا. ويتعين أن تفسر عباراتها بما يمنع أى تعارض بينها، على نحو لا يجوز معه فصلها عن بعضها، والنظر إليها باعتبار أن لكل نص منها مضمونًا ذاتيًّا لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها، أو يسقطها بل يقوم إلى جوارها متساندًا معها، مقيدًا بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التى تجمعها، ومن المُسلم به في مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية أنه إذا ما وجد أكثر من وجه لفهم النص أحدهما: يجعل النص مشوبًا بالتناقض ويؤدى إلى إبطال حكمه، والآخر: يحمل النص على الصحة ويؤدى إلى إعماله، تعين الالتزام بالمعنى الذى يحمل النص على الصحة، وإعمال مقتضاه ما دامت عباراته تحتمل ذلك الفهم، ذلك أن النصوص لا تُفهم معزولة بعضها عن بعض، إنما تأتى دلالة أىّ منها في ضوء دلالة النصوص الأخرى، وفى اتصال مفاده بما تفيده الأخريات من معان شاملة، وهذا من مقتضيات التوفيق والتقريب بين النصوص، وترجيح المفاد الذى لا يقوم به التعارض بين أي منها والآخر.
واستعرضت الجمعية العمومية ما استقر عليه إفتاؤها من أن اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية لا ينعقد
إلا إذا أُحيلت المسألة إلى الجمعية العمومية ممن حددهم النص حصرًا في المادة (66/أ) من قانون مجلس الدولة المُشار إليه، وهم: رئيس الجمهورية، ورئيس الهيئة التشريعية، ورئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء، أو رئيس مجلس الدولة، ومن ثم لا يسوغ للجمعية العمومية نزولا على صريح نص المادة (66/أ) من قانون مجلس الدولة أن تخوض فيما طُلب فيه الرأي إذا ورد عن غير الطريق الذي رسمه القانون.
واستخلصت الجمعية العمومية، في مجال استجلائها لحقيقة قصد المشرع من تضمين قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات نص المادة (149) المشار إليها، أن الاختصاص الوارد بهذه المادة ليس من شأنه نسخ الأحكام الواردة في المادة (66) من قانون مجلس الدولة المشار إليه فيما يخص تحديد أصحاب الصفة
فى طلب الرأى من الجمعية العمومية، إذ إن القول بغير ذلك مؤداه تعديل لأحكام قانون مجلس الدولة سالف الذكر دون اتباع الإجراءات المقررة في المادة (185) من الدستور، الأمر الذى يستوجب تفسير نص المادة (149) المشار إليها بالمعنى الذى يحمل النص على الصحة وعدم مخالفة أحكام الدستور، وإعمال مقتضاه ما دامت عباراته تحتمل ذلك الفهم، ومن ثم فإن اختصاص الهيئة بطلب الرأى من مجلس الدولة وفقًا لنص المادة (149) يتحدد في ضوء ما ورد بالمادة (66/أ) من قانون مجلس الدولة آنف البيان، بما يستتبعه ذلك بأن يكون اختصاص رئيس الهيئة مقتصرًا على طلبات الرأى المقدمة إلى إدارة الفتوى، أما طلبات الرأي المقدمة إلى الجمعية العمومية، فيتعين بحكم اللزوم أن تكون من الوزير المختص بالتأمينات الاجتماعية الذى تتبعه الهيئة، إعمالا لحكم المادة (66/أ) من قانون مجلس الدولة آنف البيان، وهذا من مقتضيات التوفيق بين النصوص، وترجيح المفاد الذى لا يقوم به التعارض بين أيّ منهما والآخر.
وترتيبًا على ما تقدم، وإذ لاحظت الجمعية العمومية أن الموضوع الماثل لا يعدو أن يكون طلبًا للرأي
في مسألة قانونية، وكان الثابت أن هذا الطلب قُدّم مباشرة من رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، وهو من غير أصحاب الصفة المحددين حصرًا بنص المادة (66/ أ) من قانون مجلس الدولة المُشار إليه،
لذا فإن طلب الرأي الماثل يكون واردًا من غير ذي صفة، الأمر الذي ارتأت معه الجمعية العمومية عدم قبوله.
لـــذلــــك
انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى: عدم قبول طلب الرأى الماثل لوروده من غير ذى صفة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحريرًا في: / /2021
رئـيس
الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع