الفتوى رقم 292 لسنة بتاريخ فتوى : 1958/11/29


موضوع الفتوى:

أجانب – حق الدولة في نزع ملكية الأجنبي أو تأميم مشروعاته لقاء تعويض عادل – لا يتعارض مع حقه في الملكية ورعاية حرمتها- صدور قانون الإصلاح الزراعي للإقليم السوري رقم 161 لسنة 1958- تقرير نزع ملكية الأراضي الزائدة على القدر المحدد فيها وتعويض أصحابها – لا وجه للاعتراض عليه من جانب الدولة الأجنبية – أساس ذلك

 

من المسلم أن كل وكالة سياسية تستند في مباشرتها مهامها العادية لحماية حقوق ومصالح رعاياها، تخضع بصفة أصلية لقوانين الدولة الضامنة لهذه الحقوق والمصالح، وإلى قواعد القانون الدولي المعمول بها بين الأمم، وعلى هدى هذا الاعتبار يجب القول بأن الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة شأنه شأن ما سبقه من دساتير- مع إقراره لمبدأ حرمة الملكية، إلا أنه لم يشأ أن يجعل هذه الحرمة حجر عثرة في سبيل بناء المجتمع وتحقيق مستلزمات تطوره، فقيد هذا المبدأ بمبدأ آخر هو نزع الملكية للمنفعة العامة أو المصلحة العامة وإمعانا منه في حمايته لحق الملكية رسم لهذا الاستثناء شروطا، قد استوفاها جميعا القانون رقم161 لسنة 1958 في شأن الإصلاح الزراعي للإقليم السوري، فقدر المشرع التعويض على النحو الذي أوردته المادة التاسعة وأعطى لصاحب الحق الاعتراض على التعويض المقرر أمام اللجان المنصوص عليها في المادة 18 من هذا القانون، ومن لا يقبل أساس التعويض المقرر. عليه أن يستنفد الطرق الأخرى الواردة في القانون وبعدها يصبح التقدير نهائيا فلا تجوز المنازعة فيه أو الاعتراض عليه، ومن المعلوم أن الفقه والقضاء الدوليين مجمعان على أن لكل دولة الحرية التامة في معالجة شئونها الاجتماعية والاقتصادية زراعية كانت أو صناعية, وبصفة خاصة حقها المطلق المستمد من سيادتها في نزع الملكية العقارية وتأميم المشروعات الاقتصادية والزراعية وغيرها بقصد تحقيق الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الذي تنشده, بشرط أن يحصل صاحب العقار المنزوع ملكيته أو المشروع المؤمم على تعويض عادل.

ومن ناحية القانون الدولي فإن رجال الفقه يرون أن للأجنبي حق التمتع بالحقوق الخاصة إلى حد أدنى يكفله القانون الدولي العام, ومن بين هذه الحقوق الخاصة الحق في تملك الأموال, ومن هذه الأموال العقارات, وفي هذا الخصوص تذهب التشريعات الداخلية لمختلف الدول مذاهب مختلفة, فيرى بعض الفقهاء تشبيه الأجنبي بالوطني فيكون له حق تملك العقارات, والرأي الغالب هو أن للدولة أن تعطي الأجانب هذا الحق.

ومتى ثبت للأجنبي حق الملكية في شئ وفقا لقانون الدولة وجب على هذه احترامه. ولكن هذا لا يمنعها من إمكان تجريد الأجنبي منه بالاستيلاء أو نزع الملكية, فيرى رجال الفقه أن للدولة أن تستولي على أموال الأجانب بشرط أن تعوضهم عنها, وهي حرة في بيان الحالات التي يجوز فيها الاستيلاء على أموال الأجانب والوطنيين. وبالنسبة إلى نزع الملكية فإنه لا مراء في أن للدولة الحق في نزع ملكية الأجانب للمنفعة العامة نظير تعويضهم.

على أن بعض الفقهاء ينكرون وجود هذه القاعدة ويقولون أن للدولة مطلق السلطات في تقدير التعويض من عدمه. وهي إن قدرته لا يستطيع الأجنبي أن يطالب بتعويض كامل شامل إذا كانت الدولة قد قدرت تعويضا مخفضا يسري على كافة سكان إقليمها, وهي إن لم تقرر وجود التعويض كان عملها تحكميا بالنسبة للأجانب وغير ودي بالنسبة لدولهم.

وطبيعي أن يتخذ مركز الوطني معيار لقياس مركز الأجنبي إذ المفروض أن الوطني يتمتع في دولته بالمركز اللائق به باعتباره عضوا أصيلا في مجتمع معين, والمفروض كذلك أن أقصى ما يطمع إليه الأجنبي في هذا المجال وهو الطارئ على ذلك المجتمع, أن يعامل معاملة الوطني فيما لا يمس التضامن الوطني في الدولة, وفيما لا يتعارض وعضويته الأصلية في مجتمع دولته, وعلى هذا نص كثير من القوانين كالقانون السويسري والقانون الياباني والقانون الألماني, فمثلا تنص المادة 11 من القانون المدني السويسري (قانون سنة 1921) على أن لكل شخص بصفته إنسانا التمتع بجميع الحقوق المدنية دون اعتبار لصفته الأجنبية.

وتأسيسا على هذه المبادئ العامة, يبين أن المشرع عندما أصدر القانون رقم 161 لسنة 1958في شأن الإصلاح الزراعي للإقليم السوري قد حرص على أن تكون معاملة جميع ملاك الأراضي الزراعية في الإقليم السوري على قدم المساواة, فلم يفرق بين وطني وأجنبي بل سوى بينهم من جميع الوجوه فقرر التعويض الذي رآه عادلا عن الأراضي التي استولت عليها الهيئة المختصة بتنفيذ قانون الإصلاح الزراعي, ورسم الطريق لأصحاب الحق للاعتراض على التعويض الذي يقدره القانون بحيث إذا استنفذ هذا الطريق استغلق عليه الطعن في هذا التقدير بأي وسيلة من الوسائل, كما أنه ليس شرطا أن يؤدى التعويض ناجزا؛ لأن الدولة راعت في معاملة الأجنبي نفس الشروط التي طبقتها على الوطني, وهو أقصى ما يطمع فيه أجنبي.

وعلى ذلك فلا وجه للاعتراض من جانب السلطات الأجنبية على قانون الإصلاح الزراعي للإقليم السوري؛ إذ ليس لهذا الاعتراض سند من القانون ولا من مبادئ القانون الدولي