الفتوى رقم 659 لسنة 2006 بتاريخ فتوى : 2006/06/28 و تاريخ جلسة : 2006/06/07 و رقم الملف : 16/2/111


موضوع الفتوى:
بشأن النـزاع القائم بين البنك المركزى المصرى ووزارة القوى العاملة حول مدى التزام البنوك بسداد نسبة 1% من صافى ارباحها المحققة سنوياً لصالح صندوق تمويل التدريب والتأهيل بوزارة القوى العاملة والهجرة، إعمالاً لحكم المادتين رقمى 133،134 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003.

نص الفتوى:
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس الدولة رقم التبليغ :
الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بتاريــــــخ : 99 / 99 / 2006
ملف رقم : 16 / 2 / 111

السيد الدكتور / محافظ البنك المركزى
تحية طيبة وبعد
فقد اطلعنا على كتابكم رقم [236 ] المؤرخ 11/4/2005 بشأن النـزاع القائم بين البنك المركزى المصرى ووزارة القوى العاملة حول مدى التزام البنوك بسداد نسبة 1% من صافى ارباحها المحققة سنوياً لصالح صندوق تمويل التدريب والتأهيل بوزارة القوى العاملة والهجرة، إعمالاً لحكم المادتين رقمى 133،134 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003.

وحاصل الوقائع _ حسبما يبين من الأوراق _ أن مديريات القوى العاملة ومكاتب العمل قامت بمطالبة البنوك بسداد نسبة 1% من صافى أرباحها المحققة سنوياً _ الظاهرة بأخر ميزانية معتمدة _ لصندوق تمويل التدريب والتأهيل بوزارة القوى العاملة والهجرة وذلك على سند من أن المادتين رقمى ( 133 و 134 ) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، قررتا إنشاء صندوق لتمويل التدريب والتأهيل تكون له الشخصية الاعتبارية، ومن ضمن ما تنطوى عليه موارده نسبة 1% من صافى أرباح المنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون التى يزيد عدد عمالها عن عشرة عمال. وقد اعترضت البنوك على ذلك، على أساس أن المشرع رعاية منه لتنمية مهارات العاملين بالبنوك على أعلى مستوى محلى وعالمى افرد تنظيماً خاصاً بقانون البنك المركزى و الجهاز المصرفى والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 نظم فيه بالنسبة للبنوك على وجه العموم إنشاء معهد مصرفى يتبع البنك المركزى وتكون له شخصية إعتبارية وميزانية مستقلة ويختص بالعمل على تنمية المهارات فى الأعمال المصرفية والمالية والنقدية ومكافحة غسل الأموال للعاملين بالبنك المركزى والبنوك بهدف مسايرة التطور العالمى وترسيخ قواعد العمل المهنى السليم. وتتكون موارد المعهد من المبالغ التى تؤديها البنوك والتى يصدر بتحديدها قرار من مجلس إدارة البنك المركزى بناءً على إقتراح مجلس إدارة المعهد تطبيقاً للمواد أرقام ( 45 و 46 و 47 و 48 ) من القانون المذكور. فضلاً عن ذلك فقد أنشأ المشرع بمقتضى المادة ( 96 ) من ذات القانون صندوق لتحديث أنظمة العمل فى بنوك القطاع العام وتنمية مهارات وقدرات العاملين فيها وتغطية نفقات إلحاقهم بالبرامج التدريبية المحلية والعالمية وتتكون أهم موارده من نسبة لا تزيد على 5% من صافى الأرباح السنوية القابلة للتوزيع لبنوك القطاع العام، وأضافت البنوك فى أسباب إعتراضها على مطالبة وزارة القوى العاملة سالفة الذكر ان قانون العمل هو القانون العام المنظم لعلاقات العمل التعاقدية وأحكامه تتقيد بما ورد بقانون البنوك بإعتباره قانون خاص وذلك إستناداً إلى أن النص الخاص يقيد النص العام ولا يلغيه، وأن قانون العمل تشريع سابق عام وقانون البنوك تشريع لاحق خاص وعند التعارض يعتبر التشريع اللاحق استثناء من حكمه وذلك بالنسبة للمخاطبين به، ومن ثم فلا تكون البنوك مخاطبة بقانون العمل الموحد خاصة فى تلك الجزئية المتعلقة بهذا الصندوق. وإزاء إصرار كل من وزارة القوى العاملة والهجرة والبنوك على رأيه فقد طلبتم عرض النـزاع على الجمعية العمومية
ونفيد أن الموضوع عُرض على الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بجلستها المنعقدة فى 7 من يونية سنة 2006م الموافق 11 من جمادى الأول سنة 1427هـ فتبين لها أن قانون العمل الموحد الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 ينص فى المادة ( 3 ) منه على أن يعتبر هذا القانون، القانون العام الذى يحكم علاقات العمل، وذلك مع مراعاة إتفاقيات العمل الجماعية وأحكام المادة ( 5 ) من هذا القانون وتنص المادة ( 5 ) منه على أن يقع باطلاً كل شرط أو إتفاق يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل به، إذا كان يتضمن إنتقاصاً من حقوق العامل المقررة فيه. ويستمر العمل بأية مزايا أو شروط أفضل تكون مقررة أو تقرر فى عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية أو غيرها من لوائح المنشأة أو بمقتضى العرف. وتقع باطلة كل مصالحة تتضمن إنتقاصاً أو إبراءً من حقوق العامل الناشئة عن عقد العمل خـلال مدة سريانه أو خلال ثلاثة اشهر من تاريخ انتهائه متى كانت تخالف أحكام هذا القانون وفى المادة ( 133 ) منه على أن ينشأ صندوق لتمويل التدريب والتأهيل تكون له الشخصية الإعتبارية العامة، يتبع الوزير المختص، وذلك لتمويل إنشاء وتطوير وتحديث مراكز وبرامج التدريب التى تستهدف المواءمة بين احتياجات سوق العمل المحلى والخاص. ويختص الصندوق بوضع الشروط والقواعد التى تتبع لبرامج ومدد التدريب المهنى الدراسية والنظرية، ونظم الاختبارات والشهادات التى تصدر فى هذا الشأن. ويصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بتشكيل مجلس إدارة الصندوق برئاسة الوزير المختص يحدد نظام العمل به وفروعه فى المحافظات ولائحته التنفيذية ونظام تحصيل موارده والنظام المحاسبى الواجب إتباعه ونظام الرقابة على أمواله وفى المادة ( 134 ) منه على أن تتكون موارد الصندوق المشار إليه فى المادة السابقة من :_ 1- 1% من صافى ارباح المنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون والتى يزيد عدد العاملين بها على عشرة عمال. 2- 000000 وفى المادة ( 135 ) من ذات القانون على أن لا يجوز لأية جهة مزاولة عمليات التدريب المهنى إلا إذا كانت متخذة شكل شركة من شركات المساهمة أو التوصية بالأسهم أو الشركات ذات المسئولية المحدودة 00000 ويستثنى من أحكام الفقرة السابقة :_ 1- 000 2- 000 3- 000 4- المنشآت التى تتولى تدريب عمالها وفى المادة ( 136 ) منه على أن يشترط لمزاولة عمليات التدريب المهنى الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة المختصة بإستثناء الجهات المنصوص عليها فى المواد [ 2 و 3 و 4 ] من الفقرة الثانية من المادة السابقة 000000 كما تبين لها أن قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 تنص المادة ( 1 ) منه على أن البنك المركزى شخص اعتبارى عام، يتبع رئيس الجمهورية ويصدر بنظامه الأساسى قرار من رئيس الجمهورية وتنص المادة ( 45 ) منه على أن ينشأ المعهد المصرفى ويتبع البنك المركزى وتكون له شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة، ويكون مقره مدينـــة القاهرة، ويختص بالعمل على تنمية المهارات فى الأعمال المصرفية والمالية والنقدية ومكافحة غسل الأموال للعاملين بالبنك المركزى والبنوك والجهات العاملة فى هذه المجالات بهدف مسايرة التطور العالمى وترسيخ قواعد العمل المهنى السليم. ويجوز للمعهد الإستعانة بالخبرات العالمية فى دعم قدراته، كما يجوز له ايفاد بعثات للخارج للتعرف على المستحدثات فى مجال نشاطه، وعلى مركز إعداد وتدريب العاملين بالجهاز المصرفى توفيق اوضاعه وفقاً للفقرة الأولى من هذه المادة و تنص المادة ( 48 ) من ذات القانون على أن تتكون موارد المعهد من [ أ ] الإعتمادات التى يخصصها له البنك المركزى [ ب ] الإعانات التى ترد إلى المعهد من الجهات المختلفة، ويقرر مجلس إدارة البنك المركزى قبولها [ ج ] المبالغ التى تؤديها البنوك والجهات المختلفة مقابل تدريب العاملين بها. [ د ] اية موارد أخرى مقابل خدمات يؤديها المعهد للغير. ويصدر بتحديد المقابل المنصوص عليه فى البندين [ ج،د ] قرار من مجلس إدارة البنك المركزى بناء على إقتراح مجلس إدارة المعهد وتنص المادة ( 96 ) من ذات القانون على أن ينشأ صندوق لتحديث أنظمة العمل فى بنوك القطاع العام، وتنمية مهارات وقدرات العاملين فيها وتغطية نفقات إلحاقهم بالبرامج التدريبية المحلية والعالمية، وتتكون موارد هذا الصندوق من :_ [ أ ] نسبة لا تزيد على 5% من صافى الأرباح السنوية القابلة للتوزيع لبنوك القطاع العام. [ ب ] مساهمات البنوك التى تستفيد من خدمات الصندوق [ج ] الهبات والتبرعات والمعونات التى يوافق رئيس مجلس الوزراء على قبولها لهذا الغرض. ويصدر بنظام الصندوق والعمل به والجهة التابعة لها قرار من رئيس مجلس الوزراء . كما استعرضت الجمعية العمومية النظام الأساسى للمعهد المصرفى المصرى الصادر بقرار رئيس البنك المركزى وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1865 لسنة 2005 باصدار لائحة النظام الأساسى لصندوق تحديث وتطوير القطاع المصرفى طبقاً لأحكام المادة ( 96 ) من قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى المشار إليه.

واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم _ وعلى ما استقر عليه إفتاؤها_ أن إلغاء التشريع قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً ويتحقق الإلغاء الصريح بوجود نص فى التشريع اللاحق يقضى صراحة بإلغاء العمل بالتشريع السابق، أما الإلغاء الضمنى للقاعدة القانونية فله صورتان إما بصدور قانون جديد ينظم الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده التشريع السابق، وإما بوجود حكم معارض بالتشريع اللاحق لحكم فى التشريع السابق بحيث لا يمكن التوفيق بينهما إلا بإلغاء أحدهما، وعندئذ يعتبر اللاحق ناسخاً والسابق منسوخاً، غير أنه يشترط فى هذه الصورة من صور الإلغاء الضمنى أن يكون الحكمان المتعارضان من طبيعة واحدة من حيث العموم والخصوص، فإذا كان الحكم السابق عاماً والحكم اللاحق خاصاً فحينئذ يعتبر الحكم الخاص ناسخاً للحكم السابق عليه.
وحيث أن أحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 أحكاماً عامة تنظم علاقات العمل للفئات الخاضعة لأحكامه فى حين ان احكام قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 أحكاماً خاصة وقد صدر هذا القانون لاحقاً على القانون الأول الأمر الذى تكون معه أحكامه مقيدة له فيما تضمنه من مخالفة لأحكامه. وقد قرر المشرع فى هذا القانون إنشاء معهد مصرفى للتدريب ولتنمية المهارات فى الأعمال المصرفية والمالية والنقدية ومكافحة غسل الأموال للعاملين بالبنك المركزى والبنوك والجهات العاملة فى هذه المجالات وذلك لترسيخ قواعد العمل المصرفى السليم وجعل من ضمن موارد هذا المعهد المبالغ التى تؤديها البنوك والجهات المختلفة مقابل تدريب العاملين بها، كما قرر إنشاء صندوق لتحديث العمل ببنوك القطاع العام وتنمية مهارات وقدرات العاملين فيها وتغطية نفقات إلحاقهم بالبرامج التدريبية المحلية والعالمية وجعل من بين موارده نسبة لا تزيد على 5% من صافى الأرباح السنوية القابلة للتوزيع لبنوك القطاع العام الأمر الذى يستفاد منه ان أحكام قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد قد نسخت احكام قانون العمل فيما يتعلق بعمليات التدريب المهنى وتكون أحكام القانون الأول هى الواجبة التطبيق فى هذا المجال دون غيرها من أحكام قانون العمل.
وفضلاً عما تقدم فقد استظهرت الجمعية العمومية من استعراض فلسفة التشريع الضابطة لقانون العمل الحالى، أن هذا القانون وإن كان يمثل الإطار الكلي العام الذي تنضبط على هداه العلاقات كافة التي تجمع العمال بأرباب العمل، فهو بحسب الأصل مقرر لضمان مصالح العمال التي تعد الطرف الأضعف في اتفاقات العمل كافة. ومن ثم فقواعده الآمرة وفق هذا الفهم ملزمة للأطراف في حدود توفيرها المصلحة الأفضل للعامل، فإذا ما كان ثمة قاعدة مصدرها قانون أو اتفاق أو عرف تقرر وضعاً أفضل لمصالح العامل أو تقرر له مزايا لا توفرها القاعدة التشريعية المقررة في قانون العمل الحالى، وجب الانصراف -في هذه الجزئية تحديداً- عن تشريع العمــــل إلى غيره من اتفاقات أو أعراف بما توفره من وضع أفضل للعامل. وهذا الفهم أفصحت عنه المادة (5) من قانون العمل الحالى آنفة الذكر، فيما قررته من بطلانٍ للشروط أو الاتفاقات التي تخالف أحكام هذا القانون إذا ما انطوت على انتقاص لما هو مقرر به للعامل، وفي الوقت ذاته أكدت تلك المادة صحة كل اتفاق أو شرط يوفر للعامل مزايا أو شروطاً أفضل لا يوفرها القانون ذاته. مما يفيد عدم لزوم حكم قانون العمل في كل حال يتحقق بها وضع أفضل للعامل مما يحققه التشريع في تلك الجزئية.
واستبان للجمعية العمومية أن قانون العمل الحالى قد أنشأ صندوق تمويل التدريب والتأهيل، الذي يقوم على تمويل إنشاء وتطوير وتحديث مراكز وبرامج التدريب التي تستهدف المواءمة بين احتياجات السوق المحلي والخاص، ويختص بوضع الشروط والقواعد التي تتبع لبرامج ومدد التدريب المهني الدراسية والنظرية ونظم الاختبارات والشهادات التي تصدر في هذا الشأن، حيث قرر القانون من ضمن موارده نسبة 1% من صافي أرباح المنشآت الخاضعة له التي يزيد عدد العاملين بها على عشرة عمال.
وقد حصلت الجمعية العمومية من جملة المستقر عليه ضريبياً، فقهاً وقضاءً وإفتاءً، أن موارد الدومين المالي العام للدولة الممثلة في الضرائب والرسوم ومقابل الخدمات والإتاوات، التي تتولاها إحدى سلطات الدولة العامة كلما توافر مناط استحقاقها، تبقى وإن تشابهت فى طرق التحصيل الفروق بينها جلية: سواء من وجهات عناصر التكوين أم من وجهات النظم القانونية الحاكمة لكل منها، إذ يظل لكل من هذه الموارد الأربعة قواعده القانونية التي تحكم أسس فرضه ومناط استحقاقه ووقائع نشأته وأوعيته وأسعاره وطرق التصرف فيه. فإذا كانت الضرائب مما تفرضه الدولة جبراً على جميع المواطنين الذين يتحقق في شأنهم مناط استحقاقها أي شروط الخضوع لها، دون أن يكون ثمة خدمة ما قد أدتها الدولة لأولئك الخاضعين لقاء ما يسددونه من ضرائب. فإن الرسم هو مبلغ تتقاضاه الدولة جبراً لقاء ما تكون قد أدته فعلاً أي من مرافقها العامة من خدمات عامة لمؤدي الرسم، حال كون مقابل الخدمة هو الثمن الذي يؤدى لقاء خدمات أو منتجات تؤديها أي من مرافق الدولة الاقتصادية صناعية أم تجارية أم زراعية. الأمر الذي تستبين معه الطبيعة القانونية لما تؤديه المنشآت الخاضعة لقانون العمل للصندوق المذكور، بحسبانها رسوماً، كونها مما يفرض بمناسبة أداء خدمة عامة تتولاها إحدى الجهات التابعة لإحدى وزارات الدولة، تتمثل فيما يقرره صندوق تمويل التدريب والتأهيل من تعيين شروط وقواعد برامج التدريب المهني الدراسية والنظرية ومـدد تلك البرامج ونظم الاختبارات والشهادات التي تصدر بناء عليها، وهى من الخدمات العامة لا الاقتصادية، ولا يبين أن ثمة تناسباً في قيمة المبالغ المالية المؤداة وقدر الخدمات التي يؤديها. فإذا كان ذلك كذلك تغدو مفاهيم الرسوم منسحبة على هذه المبالغ المؤداة إلى الصندوق، مما يستوجب معه لزوماً أن تكون ثمة خدمة فعلية يؤديها هذا الصندوق مقابلاً لتحصيل تلك المبالغ من أية منشأة تخضع لهذا الفرض المالي. أي أن أداء المنشأة المبالغ المشار إليها للصندوق، يستلزم وجوباً أن تكون ثمة خدمة فعلية أداها الصندوق حقاً لقاء ما يحصله من مبالغ. والقول بغير ذلك معناه أن تلك المبالغ تصير ضرائب تستحق سنوياً على كل المنشآت الخاضعة لقانون العمل، وهو ما لا يستساغ منطقاً أو قانوناً؛ إذ يترتب على عدم اعتبار نسبة ال1% من صافي الأرباح التي تحصل لصالح صندوق تمويل التدريب والتأهيل رسماً، أن تصير ضريبة على الربح، الأمر الذى يدحضه منطق القانون الضريبي، لكون الأرباح مما تخضع لضريبة مستقلة تسمى الضرائب على الأرباح التجارية والصناعية، فضلاً عن أن المستقر في خصوص التحصيلات الضريبية أن مآلها الخزانة العامة للدولة مباشرة لا الحسابات الخاصة، ويضاف إلى كل هذا أن مقصد المشرع المستجلى من نصوص قانون العمل الموحد ينصرف بعيداً بالكلية عن اعتبار هذه التحصيلات ضرائب.
ومن حيث أنه لما كان ما تقدم وكان قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 آنف الإشارة قد تضمن النص على إنشاء معهد مصرفى لتدريب وتنمية المهارات فى الأعمال المصرفية والمالية والنقدية ومكافحة غسل الأموال للعاملين بالبنــك المركزى والجهات العاملة فى هذه المجالات، كما تضمن إنشاء صندوق لتحديث العمل ببنوك القطاع العام وتنمية مهارات وقدرات العاملين فيها وتغطية نفقات إلحاقهم بالبرامج التدريبية المحلية والعالمية وقد صدر النظام الأساسى للمعهد المصرفى بموجب قرار رئيس البنك المركزى كما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1865 لسنة 2005 بلائحة النظام الأساسى لصندوق تحديث وتطوير القطاع المصرفى فمن ثم تغدو النظم التى تضمنها قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد والأنظمة الأساسية المشار إليها بمجالات التدريب والتأهيل مما يوفر وضعاً أفضل للعامل يجاوز ما يوفره قانون العمل فى هذا الخصوص.
ولما كان ما تقدم، فمن ثم يغدو قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد والأنظمة الأساسية المشار إليهم آنفاً منطوية على تنظيم متكامل في مجالات التدريب والتأهيل، يفوق ما يوفره قانون العمل في هذه المجالات من خلال صندوق تمويل التدريب والتأهيل الأمر الذي يفيد أن البنوك قد مكنت العاملين بها من التمتع بأوضاع أفضلية ومزايا تجاوز ما هو مقرر من حدود دنيا بقانون العمل الموحد. فإذا كان قانون العمل يقوم على مفهوم ضمان توفير الحدود الدنيا لحقوق العاملين، وإذا جاء رب العمل بنظام أفضل مما هو مقرر من قبل المشرع بقانون العمل، فنعماً هي، وحالئذ يكون الواجب الإعمال هو التنظيم المخصوص الذي ألزم رب العمل نفسه به لا ذاك المقرر بقانون العمل. وعليه تكون البنوك بما تقدمه من أوضاع أفضل في المجالات المعنية، في حال الاستغناء بالكامل عما يقرره قانون العمل الموحد في هذا الخصوص، استغناء مناطه أن العامل بالبنوك لم يعد في حاجة إلى تلك النظم المقررة بقانون العمل في هذا الخصوص، والتي بدورها ما عادت توفر لمصالحه الفائدة القصوى المطلوبة. الأمر الذي من آثاره أن تنحسر الأحكام الواردة بمواد قانون العمل الخاصة بتقديم خدمات التدريب والتأهيل، من خلال الصندوق المشار إليه، عن الأحوال الماثلة. انحساراً دلالته استغناء العامل عن هذا الصندوق، وأثره عدم ملزومية ما يقرره من مبالغ واجبة الأداء في حق البنوك؛ بحسبان أن تلك المبالغ هي رسوم تستأدى لقاء الخدمات التي يقدمها الصندوق للعاملين بالمنشأة، وهي في فهم المشرع خدمات يتعين أن يتمتع بها العامل، لا محالة، لذا أنشأ المشرع الصندوق ليقوم نيابة عن المنشآت بتوفير تلك الخدمات للعاملين لديها. ولقاء هذه الخدمات التي يؤديها للعمال نيابة عن المنشآت يتقاضى الرسم المقرر لصالح الصندوق. وعليه فإذ لم يعد الصندوق في وضع تقديم خدماته للعاملين بالبنوك كون الأخيرة قد تولت بنفسها الاضطلاع بهذه المهام، فمن ثم لا يكون من وجه لاستمرار إلزام تلك البنوك بأداء هذه المبالغ، فالأخيرة رسوم والرسم لا يستحق إلا لقاء خدمة تؤدى، فأما ولم تعد تلك الخدمة تؤدى، فلا يجوز الإلزام بها، وإلا استحالت طبيعة تلك المبالغ من رسوم إلى ضرائب، وهو ما لم يقل أحد به البتة، ويتناقض كلياً والأصول الدستورية للتشريعات الضريبية على النحو الذي ينهار بالأحكام المقررة لهذه المبالغ إلى حومة عدم الدستورية.
ولا محاجة في هذا الخصوص بقالة أن هذا الصندوق ينظم وضعاً تكافلياً على المستوى القومي، إذ مفاد الوضع التكافلي أن نكون بصدد تنظيم تأميني، والأخير له ضروراته التنظيمية المخصوصة، والتي يأتي على القمة منها أن يأخذ ما يؤدى شكل الاشتراكات الدورية التي تتقرر عن كل عامل ويخضع للإلزام الوارد بأداء الاشتراك جميع المنشآت دون استثناء. والحال مفارق لذلك، فليست كل المنشآت ملزمة قانوناً بأداء المبالغ المقررة، فضلاً عن أن هذه المبالغ لا تتقرر على أساس العمال وأعدادهم وإنما على أساس مقدار الربح المحقق. آية ذلك أن مناط الإلزام بسداد المبلغ المقـــرر بنسبة 1% لصندوق تمويل التدريب والتأهيل أن تحقق المنشأة المسددة أرباحاً صافية وأن يكون عدد العاملين بها زائداً على عشرة عمال، وهو ما يتبين معه أن المنشآت التي توظف أقل من عشرة عمال لا تلتزم بأداء هذا المبلغ على الرغم من تحقيقها لصافي أرباح، ويتصور أيضاً أن تلك المنشأة التي لم تحقق أرباحاً صافية في سنة ما ألا تسدد هذا المبلغ، وذلك جميعه على الرغم من استمرار تمتع العاملين بأي من هذين النوعين من المنشآت بالخدمات التي يقدمها الصندوق. ولا يمكن القول بنظم تأمينية تتوقف الاشتراكات المقدمة فيها على مجاهيل عديدة، سواء تحقيق أرباح من عدمه أم أحجام تلك الأرباح المحققة أم أعداد العاملين المتفاوتة وغير المستقرة.
كما أنه ومن جانب آخر ونحو ما سلفت الإشارة، فإن المشرع أنشأ هذا الصندوق ليقوم بتوفير خدمات قدَّر أنه لا مناص عن تمتع أي عامل بها، وإذ قدر أيضاً أن ليست كل المنشآت القائمة على قدر سعة يتيح لها الاضطلاع بتقديم تلك الخدمات للعاملين لديها، فقد أنشأ هذا الصندوق ليقوم بهذه المهام عن المنشآت الخاضعة لأحكامه، فإذا تبين أن ثمة منشآت تستطيع توفير تلك الخدمات وعلى نحو أفضل مما يوفره هذا الصندوق، تضحى الملاءمات مستوجبة إخراج العاملين بهذا المنشآت من نطاق نشاط هذا الصندوق حتى لا يزاحموا غيرهم من أقرانهم العمــال بمنشآت أخرى لا يتوفر فيها لهم من تلك الخدمات، مما يحقق صوالح الفئات الأضعف من العمال، ويضمن عدم أيلولة خدمات هذا الصندوق لمن ليسوا في حاجة لها.
لـــــــــــــذلــــــــــــك
انتهت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع إلى عدم أحقية وزارة القوى العاملة فى إستئداء نسبة 1% من صافى ارباح البنوك سنوياً لصندوق تمويل التدريب والتأهيل، وذلك على النحو المبين بالأسباب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحريراً فى / / 2006

م// رئيس الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع

المستشار / جمال السيد دحروج
النائب الأول لرئيس مجلس الدولة

(أ) قانون– إلغاؤه – الإلغاء نوعان: (صريح) ويتحقق بوجود نص فى تشريع لاحق يقضى صراحة بإلغاء نص بتشريع سابق، و(ضمني) وله صورتان: إما بصدور قانون جديد منظم لموضوع سبق تنظيمه بتشريع سابق، وإما بوجود حكم بتشريع لاحق يتعارض مع حكم وارد بتشريع سابق مع عدم إمكان التوفيق بينهما إلا بإلغاء أحدهما، وهنا يعد الحكم اللاحق ناسخاً والسابق منسوخاً شريطة اتفاقهما من حيث العموم أوالخصوص، فإذا كان الحكم السابق عاماً والحكم اللاحق خاصاً اعتبر الحكم الخاص ناسخاً للحكم السابق عليه.
(ب) عمال– نطاق تطبيق أحكام قانون العمل– هذا القانون مقرر لضمان مصالح العمال– قواعده الآمرة ملزمة للأطراف في حدود توفيرها المصلحة الأفضل للعامل– إذا وجدت قاعدة مصدرها اتفاق أو عرف تُقرر وضعا أفضل لمصالح العامل أو مزايا لا توفرها القاعدة التشريعية المقررة بقانون العمل وجب الانصراف إليها.
(ج) عمال– صندوقا تمويل التدريب والتأهيل والخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية–مواردهما– هما لا يعدان نظاما تكافليا– مفاد الوضع التكافلي أن نكون بصدد تنظيم تأميني، يأخذ ما يؤدَّى شكل الاشتراكات الدورية التي تتقرر عن كل عامل، ويخضع للإلزام الوارد بأداء الاشتراك جميع المنشآت دون استثناء– إذا تبين أن ثمة منشآت تستطيع توفير تلك الخدمات وعلى نحو أفضل مما يوفره كل من الصندوقين المعنيين، وجب إخراج العاملين بهذه المنشآت من نطاق نشاط هذين الصندوقين– ما تؤديه المنشآت الخاضعة لقانون العمل لكل من هذين الصندوقين تعد رسوما– أساس ذلك.
(د) أملاك الدولة العامة– موارد الدومين المالي العام للدولة تتمثل في الضرائب والرسوم ومقابل الخدمات والإتاوات– لئن تشابهت كلها فى طرق التحصيل فإن الفروق بينها جلية– لكل من هذه الموارد الأربعة قواعده القانونية التي تحكم أسس فرضه ومناط استحقاقه ووقائع نشأته وأوعيته وأسعاره وطرق التصرف فيه.
(هـ) رسوم– ضابط التفرقة بينها وبين الضرائب– الضرائب تفرضها الدولة جبرا على جميع المواطنين الذين يتحقق في شأنهم مناط استحقاقها، دون أن يكون ثمة خدمة ما قد أدتها الدولة لهم لقاء ما يسددونه من ضرائب– الرسم مبلغ تتقاضاه الدولة جبرا لقاء ما تكون قد أدته فعلاً من خدمات عامة لمؤدي الرسم– قواعد الفرض الضريبي تستوجب تعيين المشرع لكل عناصرها ومنها سعر الضريبة، على خلاف الرسوم التي يمكن أن تتحدد لائحيا بناءً على قانون.
(و) عمال– عاملون بالبنوك– تمتعهم بأوضاع أفضل ومزايا تجاوز ما هو مقرر من حدود دنيا بقانون العمل– الواجب الإعمال هو التنظيم المخصوص لا ذاك المقرر بقانون العمل– تنحسرعنهم الأحكام الواردة بمواد هذا القانون الخاصة بتقديم الخدمات في مجالات التدريب والتأهيل والخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية من خلال الصناديق المعنية– عدم ملزومية ما تقرره هذه الصناديق من مبالغ في حق البنوك.